09 - 05 - 2025

الصوت العاجز 

الصوت العاجز 

مشهد انتخابات الرئاسة في مصر يعبر عن أزمة الجميع، أزمة نظام حكم لم يستطع أن يرتبط بأحلام المصريين وتطلعاتهم، ولا أن يحقق أملهم في تحقيق الاستقرار مع الحرية، والقانون مع المساواة، والعدل مع الدولة القائدة، ولا أن يسوق ما يقوم به من مشروعات أو مواقف.

فالرئيس الذي أكد أنه ليس مهتما بتراجع شعبيته، وأنها تهون أمام القرارات الواجب اتخاذها، والاختيارات التي لا مفر منها لبناء الدولة، ها هو في حاجة لاستدعاء هذه الشعبية أو ما تبقى من رصيدها لتجديد تفويض أو لمنحه ولاية جديدة في الحكم.

حال الأزمة ليس ببعيد عن المعارضة، فهي ليست في وضع أفضل، فلا صدى لها في الشارع ولا تأثير يذكر، وهي لا تستطيع تحريك ساكنا، فلا قدرة لها على الحركة، ولا حضور في الشارع يجعلها تتبنى مواقف إيجابية باتجاه الفعل الشعبي، كالدعوة للمشاركة وإبطال الأصوات مثلا.

فهي تفتقد على اللعب خارج الصندوق، فاستجابت للكتالوج المعروف، ودعت لمقاطعة الانتخابات، ورفعت شعار "خليك في البيت"، وهي تدرك أنها لا تعبر عن خيار سياسي ينال من النظام، فعدم النزول للجان بكثافة واقع حال وليس استجابة لهذه الدعوة أو لغيرها.

لقد اختارت المعارضة الحل الأسهل لتعلن عن بقائها، وتحتفظ بمكان الهامش الذي تسكنه، إنه قرار العجز الذي يغالط علم السياسة والواقع معا، فالتحول الديمقراطي لا يتحقق إلا بمزيد من المشاركة، وبمزيد من ترسيخ الحضور وتأكيد وجود الناخبين، كما أن رسائل المقاطعة ليس لها أثرا كبيرا على نهج السلطة ولا خياراتها، ولن تنال من شرعية لم تعد تعتمد على التأييد أو الدعم الجماهيري، ولا تقف كثيرا أمام نظرة الخارج لها.

لنصل للمواطن الذي لم يجد وسيلة لتحقيق تطلعاته، فلا الثورة جلبت له الديمقراطية، ولا الانتخابات تحقق له التغيير، ولا هو موجود على أجندة الحكم، ولا أولوياتها تتفق مع ترتيب احتياجاته ولا طموحاته، وهو يدفع ثمن خيارات وقرارات ليس طرفا فيها، ولا مشارك في صنعها، فهو بعيد عن أي قرار وأي توجه.

إنه الصوت العاجز الذي فقد إمكانية صناعة واقع مغاير، فاستسلم للأمر المفروض، وانشغل بمواجهة الغلاء والضغوط الاقتصادية، لا يكترث بالذهاب ولا بالتصويت، بل يتابع أخبارها كأنها تحدث بمكان أخر، فالدولة التي غيبته طوال أربع سنوات، لا يحق لها أن تستدعيه اليوم.

ويزيد من قلة اكتراثه تراجع خطر عودة الإخوان، وعدم الحاجة لإيصال رسالة رفض لهم، خاصة وأن دعوة التنظيم الدولي والإعلام التابع له للمقاطعة تعبر هي الأخرى عن عجز، وليس عن وجود سياسي أو قوة تأثير.

فالإخوان كما المعارضة، يتاجرون بواقع سلبي معلوم توجهه مسبقا، إنهم يهربون من اختبار حضورهم في الشارع بعد هزائم عدة ومتكررة لهم، كما أن المشاركة السياسية للشعب لا تصب في صالح الجماعة، ولا في مستقبل وجودها كفاعل أساسي بالساحة، فسلاحها الأقوى كان هو القدرة على الحشد مع عزوف الآخرين.

إنها حالة تأزم الجميع، مرشح وناخبين، معارضين ومؤيدين، حالة تعيد مصر للمربع الأول، وتقضي على منجزات ثورة، وتهدر دماء شهداء سالت بهدف الانتقال لمرحلة متقدمة، فإذا بالعجز وحده سيد الموقف، والأغرب وجود مؤامرة لبقاء هذا العجز واستمراره، والحيلولة دون جعله صوتا فاعلا أو مؤثرا، لأن اللاعبين السياسيين جميعهم يأكلون على طاولة هذا العجز، ويستغلونه أو يتاجرون به.

مقالات اخرى للكاتب

حلمي الجزار وهيئة منير وصراع الإخوان.. الشرعية لمن!